الرياضة والصحة النفسية
العنف غريزة أصيلة في الإنسان مكنتنا خلال السنوات السابقة من مقارعة الأعداء و هزيمة الحيوانات المفترسة المهاجمة. و في عصرنا الحاضر، فهمنا أن الرياضة طريقة لتفريغ الشحنات العنيفة وهذا سبب من أسباب السلم الأهلي والعالمي.
و كذلك قضينا ردحاً طويلا من الزمن على ظهور الخيول و مسافرين بين الغابات والصحاري على أقدامنا. كل ذلك كان يجعل من النشاط الجسدي أمراً يومياً اعتيادياً ضرورياً،
و لم نكن بحاجة لممارسة الرياضة كما نعهدها اليوم في الأندية والبطولات والملاعب.
فقد خلقنا أصلاً كائنات متحركة نشيطة، قبل آلاف السنين كنا صيادين مزارعين نبحث عن الغذاء ومحاربين ،
دخلنا الكهوف فترة من تاريخنا، ثم نهاية دخلنا العمارات والشقق والمكاتب.
لم يتحول عملنا إلى العمل المكتبي إلا في اخر مئة سنة،
وهذه مرحلة قصيرة من تاريخنا الطويل الذي يقدر بعشرات الآلاف من السنين.
مع الزمن صار هناك تمجيد للرياضة والتمارين البدنية، لأكثر من سبب، حيث أن الرياضة واللياقة البدنية تزيد قدرة الرجال
وكذلك النساء على تحمل صعاب الحياة وتكاليفها، وتزيد من قدرة الإنسان على الانتصار في الحروب وخوض غمارها.
لوحظ كذلك أن الرياضيين يتحلون بجاذبية جنسية وعاطفية كبيرة،
وهم كذلك أقدر على حل المشكلات وعلى العمل ضمن فريق، لا سيما أولئك الذين يمارسون رياضات جماعية. كل ذلك زاد من رغبة الناس في ممارسة النشاط البدني في العصر الحالي.
طبعا، كثيراً ما تكون ممارسة العنف أمراً سيئاً، خاصة إذا تم توجيهه ضد الذات متسبباً باكتئاب كما يرى العالم فرويد. العنف كذلك، يكون مضراً إذا تم توجيهه باتجاه الاخر، الذي قد يكون فرد من أفراد المجتمع
(وليس ضد عدو للدولة أو الأمة) وهذا خطير للسِلم المدني. في ميدان آخر
يرى العديد من الناس أنفسهم، توجهاتهم وانتماءاتهم، في الفرق التي تلعب كرة القدم، كرة السلة ورياضات أخرى. إن كان هناك جمهور لفريق معين متحمس جدا لفريقه
ولديه مشاعر عنيفة باتجاه فريق اخر أو باتجاه ما يمثله ذلك الفريق،
فإن الميادين الرياضية ومدرجات الجماهير ستضج بالصيحات والشتائم العنيفة
من الفريق الأول ضد الفريق الثاني وتصبح الملاعب والمدرجات ميادين عنف، صياح، شتائم وكراهية، ليس لها بداية وليس لها نهاية، وإن لم تسر الأمور بانضباط، قد تتحول المدرجات وساحات الملاعب لساحات عراك و”حرب” بين الناس، ويتحول دور الرياضة من مكان لتفريغ العنف من النفوس إلى مكان لشحن النفوس بالحقد والغل والعنف.
يحدثنا علم الاجتماع كذلك أن الجماعة هي أكثر من مجموعة من الأفراد،
ذلك أن الشعور عادة بالاستقواء بوجود الإنسان حول جماعته، قومه، أو أصحابه،
يبعث في النفس شعوراً بالطمأنينة (الزائفة أحياناً)
وشعوراً بالثقة واللامبالاة بالعواقب، وهذا من شأنه، إن كان هناك تجييش للمشاعر العنيفة من جمهور باتجاه الآخر أن يدهور الأمور لتصبح حرباً مكتملة الأركان.
ما يحدث في الشارع الأردني، وغيره من بلدان العالم، هو مثال على ما يلي:
استغلال شعور البشر بالكبت والحنق والفشل، الذي بدوره يؤدي إلى الغضب
والعنف، وللتعطش للحصول على أي انجاز أو انتصار بسيط في الحياة
(مثل فوز الفريق المحبوب من قبل الفرد) بالمباراة، ثم تضخيم ذلك الانتصار ليكون بمثابة رفعة وغلبة قوم ذلك المشجع على قوم مشجعي الفريق الاخر،
فمن هنا نرى النكهة العنصرية التخريبية لهكذا أوضاع في العديد من البلاد.
أقترح إشراك كوكبة من الأخصائيين النفسيين (أطباء نفسيين ومعالجين نفسيين) مع رؤساء رابطة المشجعين
وأصحاب النوادي الرياضية ورؤساء الاتحادات الرياضية، بالتعاون مع وزارة الشباب، لإعادة صياغة المشهد الرياضي، لتعود الرياضة مجالا لتفريغ العنف وليس لإذكاء ناره.
بقلم: د. أحمد السالم، طبيب نفساني.
ليلى طرابيشي، معالجة نفسانية.